وقد ورد في قول عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الشرك بمعنى الاشتراك: “وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «إِنَّ شِرْكَ الأرضِ جائزٌ»”[1]، كما ذكر ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث والأثر.
وجاء في الحديث النبوي الصحيح تفسيرٌ لهذه الآية الشريفة، وهذا من أنوع التفسير، يعني تفسير القرآن بالسنة:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الشِّرْكَ} [لقمان: 13] لَظُلْمٌ عَظِيمٌ. صحيح البخاري 32.
وقد ورد في هذا المعنى في البخاري بألفاظ مختلفة ونفس المعنى (3360، 3428، 3429)، وفيها وضح النبي -صلى الله عليه وسلم- سبب نزول هذه الآية. وفي شرح ابن حجر –رحمه الله- على هذا الحديث:
وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْ قَوْلِهِ بِظُلْمٍ عُمُومَ أَنْوَاعِ الْمَعَاصِي وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ وَهُوَ الشِّرْكُ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلظُّلْمِ مَرَاتِبَ مُتَفَاوِتَةً وَمُنَاسَبَةُ إِيرَادِ هَذَا عَقِبَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمعاصِي غير الشّرك لا ينسب صَاحِبُهَا إِلَى الْكُفْرِ الْمُخْرِجِ عَنِ الْمِلَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ ظَاهِرَةٌ[2]
صورة لصحيح البخاري بداية كتاب الأطعمة[3]
لذلك للشرك مراتب وأعلاها الشرك بالله ، ومن أهمية التحذير من الشرك الأكبر الكون أنه مخرج من الملة. وجاء الحديث في صحيح مسلم بلفظ أخر بنفس المعنى ووضح أكثر ما ورد في صحيح البخاري.[4]
عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [لقمان: 13] “. صحيح مسلم 197 – (124).
وقال الإمام النووي شارحا هذا الحديث:
“وَأَعْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الظُّلْمَ الْمُطْلَقَ هُنَاكَ الْمُرَادُ بِهِ هَذَا الْمُقَيَّدُ وَهُوَ الشِّرْكُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ لَيْسَ الظُّلْمُ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ كَمَا ظَنَنْتُمْ.” ويبين الظلم: “وَأَصْلُ الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَمَنْ جَعَلَ الْعِبَادَةَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ”[5].
سوف نقوم بدورات تعليمية عن بعد في “مركز بيت الحكم” تسجل هنا.
اترك تعليقاً